السلام عليكم اخواني و اخواتي رواد المنتدى
صراحة قرات هذا الموضوع في احد المنتديات و اعجبني كثيرا
اتمنى ان تقوؤه و يترك لديكم نفس الانطباع
لا شك أن الحب من أجمل وأرق المشاعر الإنسانية التي يحملها المرء بين جنبيه، وهو شعور لذيذ،إذا امتلأ به الفؤاد تجاوبت له سائر أعضاء البدن، فتتهلل الأسارير، ويبتسم الثغر، وتلمع العينان، وينشرح الصدر، ويقبل المرء بجملته على الحياة.ومن خلا قلبه من هذا الشعور أعني الحب،فهو حتما إنسان غير سويّ لأن الحب كما قال ابن الجوزيّ: (لا يكون إلا من لطافة الطبع، ولا يقع عند جامد الطبع. ومن لم يجد منه شيئاً فذلك من غلظ الطبيعة. فهو يجلو العقول، ويصفِّي الأذهان، ما لم يُفرط. فإن أفرط عاد سُماً قاتلاً.)
قال أعرابيّ:من لم يحب قط فهو رديء التركيب، جافي الطبع، كزّ المعاطف.
وسئل أحدهم: هل يسلم أحد من العشق؟ فقال : نعم الجلف الجافي الذي ليس فيه فضل ولا عنده فهم.
بل ويرى البعض أن من ليس له حظ من الحب صاحب كبد غليظ وهو إلى البهائم أقرب.
وأنشد بعضهم:
إذا انت لم تعشق ولم تدر ما الهوى* فأنت وعيرٌ في الفلاة سواءُ
وقال العباس بن الأحنف: لا عار في الحب إن الحبََ مكرمةً.
حقا إنه لا عار في الحب، فهو شعور نفسي وإحساس قلبي وانبعاث وجداني ينجذب به قلب المحب تجاه محبوبه بحماسة وعاطفة وبشر.....وهو سلوك قابل للتوجيه والتعديل والسيطرة، فالمحب العاقل يوجه حبه إلى ما يحقق له السعادة في الدنيا والآخرة، والأحمق يوجه حبه إلى ما يجلب له الشقاء والتعاسة في الدنيا والآخرة.
شبابنا والحب
إن من ينظر إلي مجتمعاتنا ويتتبع سلوك شبابنا ليجد بونا شاسعا وهوة سحيقة بين الحب الحقيقي بسموه وجماله وبين مايدعونه حبا في هذه الأيام التي اختلطت فيها الكثير من المفاهيم.
إن ما يسمونه حبا في هذا العصر ما هو إلا ضرب من الخلاعة والمجون والانحلال والشذوذ الخلقي والتقليد الأعمى للغرب الملحد.ولقد انتشرت في بلداننا الإسلامية الكثير من جراثيم المجتمعات الغربية وتحمس لها الكثير من شبابنا في ظل غياب الفهم الصحيح لديننا وتحت وطأة الغزو الإعلامي الشرس،فأصبح بعض شبابنا وبناتنا يحتفلون بما يسمونه بعيد الحب المنسوب إلى القسيس (فالنتاين)،يلبسون فيه الملابس الحمراء ويتهادون فيما بينهم بالورود الحمراء ويقيمون له الحفلات الصاخبة والماجنة.
ذكرت الموسوعة الكاثوليكية، أن القسيس (فالنتاين)، كان يعيش في أواخر القرن الثالث الميلادي، تحت حكم الإمبراطور الروماني (كلاوديس الثاني).
وقد قام الإمبراطور بسجن القسيس؛ لأنه خالف بعض أوامره، وفي السجن تعرّف على ابنةٍ لأحد حراس السجن، ووقع في غرامها وعشقها، حتى إنها تنصَّرتْ، ومعها ستة وأربعون من أقاربها، كلهم تنصّروا، وكانت تزوره ومعها وردة حمراء لإهدائها له.
فلما رأى منه الإمبراطور ما رأى، أمر بإعدامه؛ فعلم بذلك القسيس، فأراد أن يكون آخر عهده بعشيقته؛ حيث أرسل إليها بطاقة، مكتوباً عليها: «من المخلص فالنتاين» ثم أُعدِم في الرابع عشر من فبراير سنة 270م.
وذكرت الموسوعة أيضاً: أنه في إحدى القرى الأوروبية، يجتمع شباب القرية في منتصف فبراير من كل عام، ويكتبون أسماء بنات القرية في أوراق، ويجعلونها في صندوق، ثم يسحب كل شاب من هذا الصندوق ورقة، والتي يخرج اسمها على ورقته، تكون عشيقته طوال السنة، ويُرسل لها على الفور بطاقة مكتوباً عليها: «باسم الآلهة الأم، أرسل لك هذ البطاقة»، ثم تجدّد الطريقة بنهاية منتصف فبراير في العام المقبل، وهكذا.
وبعد مدة من الزمن، قام القساوسة بتغيير العبارة إلى «باسم القسيس فالنتاين».
لقد أصبح الحب في زماننا مرادفا للعلاقات المحرمة بين الرجال والنساء ومقصورا على عشق الوجوه والصور ولنزيد الأمر بيانا ووضوحا نذكر بعض ما قاله العلماء في بيان مضار ومفاسد هذا النوع من الحب.
قال ابن عُقيل: (العشق مرض يعتري النفوس العاطلة، والقلوب الفارغة المتلمحة للصور لدواعٍ من النفس، ويساعدها إدمان المخالطة، فيتأكد الإلف ويتمكن الأنس، فيصير بالإدمان شغفاً. وما عشق قط إلا فارغٌ. فهو من علل البطالين وأمراض الفارغين من النظر في دلائل العبر، وطلب الحقائق؛ المستدل بها على عظم الخالق. ولهذا قلما تراه إلا في الرُّعن البطرين، وأرباب الخلاعة النَّوكى. وما عشق حكيم قط: لأن قلوب الحكماء أشدّ تمنعاً عن أن توقفها صورة من صور الكون مع شدة تطلبها، فهي أبداً تلحظ وتخطف ولا تقف. وقلَّ أن يحصل عشق من لمحة، وقلَّ أن يضيف حكيم إلى لمحة نظرةً، فإنه مار في طلب المعاني، ومن كان طالباً لمعرفة الله لا توقفه صورة عن الطلب لأنها تحجبه عن الصور.)
وقال ابن الجوزيّ: واعلم أن العشاق قد جاوزوا حدّ البهائم في عدم ملكة النفس في الانقياد إلى الشهوات: لأنهم لم يرضوا أن يصيبوا شهوة الوطء وهي أقبح الشهوات عند النفس الناطقة من أيّ موضع كان حتى أرادوها من شخص بعينه فضموا شهوة إلى شهوة، وذلُّوا للهوى ذلا على ذل. والبهيمة إنما تقصد دفع الأذى عنها فحسب. وهؤلاء استخدموا عقولهم في تدبير نيل شهواتهم.
ثم قال: والعشق بين الضرر في الدِّين والدنيا. أما في الدّين فإنه يشغل القلب عن الفكر فيما له خُلق: من معرفة الله تعالى، والخوف منه، والقرب إليه. ويعرضه لعقوبة خالقه. فكلما قرب من هواه، بعد من مولاه.
وأما ضرره في الدنيا فإنه يورث الهمَّ الدائم، والفكر اللازم، والوسواس، والأرق، وقلة المطعم، وكثرة السهر. ويتسلط على الجوارح فتنشأ الصفرة في البدن، والرِّعدة في الأطراف، واللَّجلجة في اللسان، والنُّحول في الجسد. فالرأي عاطل، والقلب غائب عن تدبير مصلحة، والدموع هواطل، والحسرات تتتابع، والزفرات تتوالى، والأنفاس لا تمتدّ، والأحشاء تضطرم. وربما أوقع في عقوبات البدن وإقامة الحدود.
فلنعد إلى الحب بمعناه!!
إن الإسلام يعترف بظاهرة الحب ولا ينكرها ولكنه يضع لها الضوابط والموازين التي توجهها إلى ما فيه خير الإنسان وسعادته وفلاحه في الدنيا والآخرة وقد بين الله عز وجل مراتب الحب في كتابه العزيز بقوله :{قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } التوبة24
إن حب الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم) والجهاد في سبيل الله والعمل لدين الله والدعوة إليه أعلى مراتب الحب وأجلها وأرفعها على الإطلاق وذلك لأن حب الله ورسوله والجهاد في سبيله من مقتضيات الإيمان بالله ومستلزمات الإسلام.
ولا شك أن المؤمن الذي ذاق طعم الإيمان في قلبه ينجذب بكليته إلى حب الله سبحانه وتعالى لما يجده من الراحة والطمأنينة وسكينة النفس ولاعتقاده الجازم أن الذات الإلهية بلغت من الكمال والعظمة والجمال ما لا يمكن لبشر أن يحيط به بوصفه. يقول ابن القيم: (ففي القلب فاقة لا يسدها إلا محبة الله والإقبال عليه والإنابة إليه ولا يلم شعثه بغير ذلك ألبتة ومن لم يظفر بذلك فحياته كلها هموم وغموم وآلام وحسرات فإنه إن كان ذا همة عالية تقطعت نفسه على الدنيا حسرات فإن همته لا ترضى فيها بالدون وإن كان مهينا خسيسا فعيشه كعيش أخس الحيوانات) .
و المؤمن الصادق يتعلق قلبه بالنبي (صلى الله عليه وسلم) لأنه القدوة والمثل الأعلى في كل شيء ولأنه لم يترك خيرا إلا ودلنا عليه ولا شرا إلا وحذرنا منه.
والمؤمن الصادق يتعلق قلبه بالجهاد في سبيل الله لأنه الطريق إلى تحقيق العزة والكرامة.
والمؤمن الصادق يتعلق قلبه بالدعوة إلى الله لأن تعبيد الناس لله إحدى مهام المسلم في هذه الحياة.
ويأتي في المرتبة التالية لما ذكرناه محبة المؤمن لإخوانه المؤمنين ومحبة الوالدين لأولادهما ومحبة الأولاد لآبائهم ومحبة الزوج لزوجته ومحبة الزوجة لزوجها ومحبة المرء لأقربائه وذوي رحمه وعشيرته ومحبة الصديق لأصدقائه ومحبة المواطن لوطنه وأمته.ولكن هذا النوع من الحب مرتبط بالمرتبة السابقة، فإن الإسلام يثبت هذه المرتبة من الحب ويعمل على تقوية أواصرها وتوثيق عراها ما لم تصطدم ببنود وعناصر المرتبة الأولى.
خاتمة القول:
إن المؤمن الصادق لا يرضى لنفسه أن يجري وراء الحب الدنيء القاتل لإنسانية الإنسان والمحطم لكرامته الإنسانية ويربأ بنفسه أن يسترسل وراء شهوة النساء وعشق الوجوه والصور، ويربأ بنفسه أن يجعل محبة الولد والأب والزوجة والعشيرة والتجارة والأموال فوق محبة الله ورسوله والجهاد في سبيل الله والدعوة لدينه.